Ultimate magazine theme for WordPress.

في أفق تخليق الحياة السياسية بالمغرب …

*بقلم : الأستاذ الجامعي د. أحمد طوالة

تشكل عملية تخليق الحياة السياسية حصنا واقيا لحياة الأفراد والشعوب والأمم، و هي ركيزة أساسية للبناء الديمقراطي ولضمان النزاهة والشفافية، وهكذا فإن التخليق لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال نهج متكامل تشاركي متعدد الأبعاد، لأنه قضية مجتمعية بالدرجة الاولى. لهذا، أضحى تخليق الحياة السياسية بالمغرب الآن ذا راهنية قصوى وموضوعا أساسيا للنقاش المجتمعي لما يثيره من أسئلة حساسة وإشكاليات مؤرقة وتحديات داخليا وخارجيا.

وفي هذا السياق، أصبح ترسيخ تخليق الحياة السياسية خيارا إستراتيجيا للدولة ولجميع مؤسساتها المعنية، فمسألة إضفاء الطابع الأخلاقي على الحياة السياسية في المغرب هي مسألة مركزية إنطلاقا مما أكدته الخطب الملكية السامية و المرجعية الدستورية، فقد أعرب جلالة الملك محمد السادس مرارا وتكرارا عن إلتزامه بتحديث مؤسسات المملكة، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وتجويد الفعل الترابي محليا و جهويا. وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمناسبة عيد العرش 2023 “الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية : من خلال خدمة المواطن، وإختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.

ونستحضر في هذا الشأن الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي، التي حثت على وضع “مدونة أخلاقية” ملزمة للبرلمانيين. و هي دعوة صريحة لإستكمال بناء ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، على أساس فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وبالرجوع الى مقتضيات دستور 2011، ونجد الفصل 36 ينص على أنه :”يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى إستغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي … من كل أشكال الإنحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وبإستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الإنحرافات”.

وبناء على ما سبق، فان تخليق الحياة السياسية بالمغرب يتطلب أولا تخليق العمل الحزبي والهيئات السياسية كلها، وهو ما يستوجب تخليق المسار الإنتخابي برمته بدء من عملية إنتقاء و تزكية وإنتخاب أشخاص لشغل مهام تمثيلية ونيابية، لا تحوم حولهم شبهة، وبذلك تتحقق فيهم مبادئ النزاهة والشفافية والكفاءة، بالإضافة الى الدور التأطيري للأحزاب للمنتخبين مع التركيز على تقوية قدراتهم التواصلية و تملكهم المعرفة القانونية الخاصة بالمجالس المنتخبة من إختصاصات وأدوار، وذلك في إطار بناء ديمقراطية داخلية للأحزاب تقوم على آليات ومعايير تواكب التطورات التي تشهدها بلادنا داخليا وخارجيا، بعيدا عن الشعارات الجوفاء و الرنانة في الوقت نفسه التي تساهم فقط في رفع نسبة العزوف السياسي والانتخابي خاصة في صفوف الشباب، هذه الفئة العريضة تمثل نسبا عالية في الديموغرافية بالمغرب، التي وجب اليوم إقناعها والتأثير في مواقفها من أجل المشاركة في العملية السياسية ببلادنا في أفق تخليق الحياة السياسية بالمغرب.

لقد حان الوقت،اليوم، لكل الفاعلين السياسيين التواصل الفعال والناجع مع المطالب الإجتماعية والسياسية المتطورة للمواطنين، من خلال إبداع في تبني بدائل سياسية واقعية وقابلة للتنفيذ في حيز زمني معقول، وإبتكار برامج سياسية خلاقة تستجيب لكل الاصوات المجتمعية، وتلبي إنتظارات كل الفرقاء السياسيين و الإقتصاديين و الإجتماعيين.

وفي هذا الإطار ، تتحمل الأحزاب السياسية كذلك مسؤوليتها إلى جانب المواطن في الوضع الحالي، لذا وجب على الأحزاب وضع آليات تُمكن من إحداث مدونة أخلاقية بشكل تشاركي والعمل على تنزيلها وتتبعها بشكل جيد، إستجابة أولا للدعوة الملكية وترجمة لمجموعة من المبادئ المتضمنة في دستور المملكة.

إن قضية إحداث مدونة أخلاقيات حزبية و سياسية أضحت مسألة لا مناص منها نظرا لكون الحياة السياسية الوطنية تغلغلت فيها مجموعة من الظواهر التي تمس جوهر الأخلاق السياسية من قبيل العائلية السياسية على مستوى النخب و الفاعلين السياسيين وكذا الإستعمال المفرط واللاقانوني للمال الشيء الذي أدى الى بروز ظاهرة غريبة على الحياة السياسية ألا وهي زواج المال والسلطة مما ساهم بشكل جلي في فقدان الثقة و المصداقية في الفاعل السياسي و رفع من نسبة العزوف والنفور من مختلف الفئات للمشاركة في الحياة السياسية وتدبير الشأن العام.

ان المساهمة في هذا الورش الإصلاحي يجب أن تصاحبه كذلك ارادة حقيقية في إخراج منظومة قانونية إلى حيز الوجود ككل و لاسيما مدونة الإنتخابات التي ينبغي أن تثمن تراكمات بلادنا في هذا الباب، و الدينامية السياسية التي إنخرطت فيها بلادنا.و في الختام ،لابد أن نشير الى أن تحقيق و تكريس هذه العملية، لن يتأتى بالإقتصار على الإعتماد على الترسانة القانونية و مجهودات الأحزاب السياسية في هذا الإطار، وإنما يستلزم ذلك تظافر الجهود و النوايا الحسنة بين مختلف الفاعلين ومكونات المجتمع المدني بإعتماد مقاربة تشاركية لا تقصي أي جانب مهما كانت الإختلافات، والتوفر على إرادة حقيقية مبنية على تغليب المصلحة العليا للوطن، وهي أمور من شأنها أن تساهم بشكل فعال في بلوغ الهدف المنشود وتحقيق التفعيل الواقعي لتخليق الحياة السياسية بالمغرب.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.