في إطار التحول الثقافي الذي تشهده المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، برزت المقاهي الثقافية كأحد أبرز ملامح المشهد الأدبي الجديد، لتتحول من مجرد أماكن لتناول القهوة إلى منصات تفاعلية نابضة بالحوار والإبداع، تسهم في إثراء الثقافة المحلية وتعزيز جودة الحياة.
بحيث في العاصمة الرياض، شهد “مقهى أدب” حضورا لافتا خلال أمسية ثقافية للدكتور سعد البازعي، حيث إجتمع عشاق الأدب والقراءة من مختلف الأعمار. ويعد المقهى أحد الأذرع المنبثقة من الموسوعة العالمية للأدب العربي “أدب”، التي تتفرع إلى عدة مبادرات منها : “صالون أدب”، “دار أدب”، “وكالة أدب”، و”مقهى أدب”، والتي تسعى جميعها إلى حفظ الإرث الأدبي العربي وتغذيته بالمحتوى الإبداعي المعاصر.
وقد اشاد الدكتور سعد البازعي، خلال مشاركته، بمبادرة “الشريك الأدبي” التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، مؤكدا أنها نقلت الثقافة من النخب إلى العامة، وأسهمت في إشراك المقاهي في الحراك الثقافي، ما أتاح الفرصة لظهور فعاليات نوعية في مناطق لم تكن تشهد نشاطا ثقافيا سابقا.
ومن جانبه، أوضح سامي العريفي، مؤسس منصة “سمو الحرف”، أن المبادرة إنطلقت كفكرة بين مجموعة من الأصدقاء والمثقفين تحت عنوان “أصدقاء الثقافة”، قبل أن تتحول إلى منصة ثقافية مؤثرة تتعاون مع العديد من المقاهي والأندية والمكتبات، وتنظم فعاليات تفاعلية وأمسيات أدبية مميزة.
وترى الدكتورة خلود الكثيري، الأخصائية النفسية، أن إنتشار المقاهي الثقافية يعكس تقدم المجتمع السعودي وتطوره، مشيرة إلى أن الثقافة لم تعد ترفا، بل ضرورة لمواجهة ضغوط الحياة، معتبرة الظاهرة مؤشرا إيجابيا على تحول المجتمع نحو ثقافة القراءة والنقاش الهادف.
فيما وصف الروائي إبراهيم المكرمي المقاهي الثقافية بأنها “أسلوب حياة”، مشيرا إلى إعتياده اليومي على إرتيادها، لما توفره من بيئة محفزة على الكتابة والحوار الراقي، وفرصة لتبادل الأفكار مع مجتمع مثقف محب للأدب.
وبرى أحمد المنقور أن إنتشار المقاهي الأدبية، خصوصا بعد مبادرة الشريك الأدبي، شكل دفعة قوية في المشهد الثقافي المحلي، وساهم في بناء جسور بين الأجيال الثقافية المختلفة، مما يعزز من إستمرارية المشهد الثقافي وتوسعه.
ويبرز في مدينة جدة، مقهى “مجالس المقام” كأحد أبرز المقاهي الثقافية التي تسعى لرفع الوعي الثقافي والإجتماعي، من خلال فعاليات متنوعة وشراكات مع مؤسسات وجمعيات تطوعية. وأوضح مؤسس المقهى، محمد المكوار، أن حلمه بدأ عام 2008 وتحقق فعلياً في 2022، حيث نظم المقهى حتى الربع الثالث من عام 2025 أكثر من 1000 أمسية وفعالية.
ولا يكتفي مقهى “مجالس المقام” بتنظيم أمسيات أدبية، بل يتعاون مع جهات مختلفة كمجموعات القراءة، الجمعيات الصحية، والمبادرات التطوعية، كما يستضيف فعاليات وطنية مثل اليوم الوطني ويوم التأسيس، ويقدم ورشا وفعاليات للأطفال والناشئة في فنون الكتابة والرسم والحرف اليدوية.
إن ما تشهده المملكة اليوم من نمو لافت في المقاهي الثقافية ليس إلا ثمرة من ثمار الإستراتيجية الثقافية ضمن رؤية السعودية 2030، التي تسعى لجعل الثقافة جزءا لا يتجزأ من حياة المواطن، وإبراز السعودية كوجهة ثقافية عالمية.


التعليقات مغلقة.