بقلم : عبد اللطيف نحيلة
يطل عيد الشباب كل سنة كنافذة مضيئة على المستقبل، وكذكرى تؤكد أن الشباب ليسوا مجرد جيل عابر، بل هم البوصلة الحقيقية التي تحدد إتجاه الوطن. وفي هذا المسار، راكم المغرب، بفضل القيادة الملكية الرشيدة، مكتسبات وازنة: من تطوير منظومة التعليم والتكوين المهني، إلى إطلاق برامج التشغيل والمقاولة، وصولا إلى تعزيز حضور الشباب في السياسات العمومية. وهي إنجازات وضعت المملكة في مصاف التجارب الإصلاحية التي تستحضر طاقات الشباب كرافعة للتنمية المستدامة.
غير أن الصورة، يا صاحب الجلالة، لا تكتمل من دون التوقف عند التحديات والإكراهات التي تثقل مسار فئة واسعة من شباب المغرب. ففي خطابكم الأخير، أشرتم بوضوح إلى أن: “المغرب يسير بسرعتين، سرعة تسير فيها فئة تستفيد من فرص التنمية، وسرعة أخرى يعيشها جزء من المواطنين الذين يظلون يعانون من قلة الفرص وضعف الخدمات”. إن هذا التشخيص الصريح يلخص جوهر الإشكال : تنمية غير متوازنة، وعدالة مجالية لم تتحقق بعد كما ينبغي.
في مدن مثل سيدي قاسم، تتجسد هذه الحقيقة بأبسط صورها وأكثرها قسوة. شباب يواجه البطالة كقدر يومي، ويعيش الجمود الإقتصادي كأفق مسدود، ويجد نفسه خارج الفعل السياسي لأن السياسة هناك إرث يورث من الأب إلى الابن، لا فضاء مفتوحا للكفاءة والتجديد. وفي غياب بنيات ثقافية ورياضية قادرة على احتضان الطاقات، يتحول الإنتظار إلى نمط حياة، وتتحول الهجرة إلى حل جماعي، وكأن الوطن يطرد أبناءه بدل أن يحتضنهم.
إن محاربة المشاريع الجادة للشباب، أو تسييسها وتحويلها إلى رهائن صراع محلي، ليست مجرد ممارسات عرضية، بل هي طعنة في قلب التنمية، وإهدار لفرص وطنية حقيقية. فالشباب، حين يحرم من الأفق، يبحث عنه خارج الحدود. وما نخسره في نزيف الهجرة ليس أفرادا فقط، بل نخسر رأسمالا وطنيا لا يقدر بثمن: نخسر عقولًا، وأحلامًا، وقدرات كان الأجدر أن تبنى بها المصانع، وتعمر بها الحقول، وتضاء بها المسارح، وتشيد بها مختبرات البحث والإبتكار.
إن العدالة المجالية، والتنمية الترابية، لم تعودا مجرد شعارات، بل ضرورة وطنية ملحة. فلا يمكن لمغرب الغد أن يقوم على منطق المركز المضيء والهامش المظلم. التنمية الحقيقية هي التي توزع نورها بالعدل، وتضمن لكل شباب المغرب – من الدار البيضاء إلى سيدي قاسم، ومن طنجة إلى زاكورة، ومن الداخلة إلى الكركرات – الحق نفسه في الكرامة، والحق نفسه في الأمل.
يا صاحب الجلالة، هذه ليست رسالة عتاب، ولا تبريرا للإحباط، بل هي رسالة وفاء وصدق. رسالة تدرك أن مشروع المغرب الجديد لن يكتمل إلا بشبابه كافة. فالشباب ليسوا عبئا، ولا رقما في المعادلات الديمغرافية، بل هم الرأسمال الوطني الأعمق، والقوة الناعمة الأقوى، والضمانة الوحيدة لمغرب موحد لا يسير بسرعتين، بل بسرعة واحدة نحو المستقبل.
ويبقى عيد الشباب موعدا لطرح السؤال الجوهري : أي وطن نريد أن نتركه للأجيال القادمة؟ وطن يورث فيه الجمود والإقصاء، أم وطن تورث فيه الثقة، والأمل، والكرامة، والعدل؟


التعليقات مغلقة.