بقلم : عبداللطيف نحيلة
على السجادة الحمراء، حيث يلمع البريق وتُسلّط الأضواء، ارتفعت لافتة صغيرة لكنها حملت صدى كبيرًا: نداء مغربي صامت، يذكّر العالم بأن الضمير الإنساني لا يُختزل في هوية ولا ينحصر في إنتماء، بل يسمو فوق كل إختلاف حين يتعلق الأمر بالحق في الحياة .
في مشهد مؤثر وملفت على السجادة الحمراء لمهرجان البندقية السينمائي الدولي بإيطاليا، إختار المخرج المغربي نبيل عيوش والمخرجة المغربية مريم توزاني أن يعبّرا عن موقف إنساني عميق برفع لافتة من داخل حقيبة يدوية كتب عليها: “أوقفوا الإب_ادة في غ_زة”. هذه المبادرة لم تكن مجرد فعل عابر، بل لحظة مشحونة بالرمزية والدلالة، إذ جاءت في قلب واحد من أعرق المهرجانات السينمائية في العالم لتؤكد أن الفن لا ينفصل عن قضايا الإنسان، وأن السينما ليست فقط وسيلة للإبداع والتسلية، بل جسرٌ للتعبير عن الضمير الإنساني المشترك.
لقد شكّل هذا الموقف رسالة صامتة لكنها بالغة التأثير، خصوصًا أن نبيل عيوش، وهو فنان مغربي من أصول يهودية، أراد أن يبيّن من خلال هذا الفعل أن الدفاع عن الحق في الحياة والكرامة لا تحدّه الإنتماءات الدينية أو الثقافية، بل يظل واجبًا إنسانيًا كونيًا. وهنا تتجلى أيضًا الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، الذي أكد في أكثر من خطاب أن المغرب كان وسيظل أرضًا للتلاقي والحوار بين الديانات والثقافات، حيث يعيش المسلمون واليهود والمسيحيون والعرب والأمازيغ وباقي الروافد في إنسجام ضمن نموذج مغربي فريد يجعل من التنوع قوة ومن العيش المشترك ثروة حضارية.
هذا المشهد يبرز بوضوح أن الفنان، مهما بلغت شهرة أعماله، يبقى في جوهره شاهدًا على قضايا عصره. فقد تحوّل ظهور عيوش وتوزاني في البندقية إلى فعل ثقافي ودبلوماسي بإمتياز، يذكّر بأن للسينما سلطة ناعمة تتجاوز حدود السياسة لتخاطب الضمير الإنساني العالمي. ومثل هذه المبادرات تضع الفن في موقعه الأسمى، كقوة قادرة على لفت الانتباه إلى القضايا الإنسانية العادلة، وإعادة الإعتبار للقيم التي يتفق عليها البشر جميعًا : السلام، العدالة، والحق في الحياة.
لقد أثبتت هذه اللحظة أن السجادة الحمراء ليست فقط مساحة للعرض والتألق الفني، بل يمكن أن تتحول إلى منبر حضاري يصدح بنداءات إنسانية راقية. وما فعله نبيل عيوش ومريم توزاني هو تذكير بأن الثقافة، حين تلتزم بمسؤوليتها الأخلاقية، تصبح أداةً للسلام والتعارف المتبادل ورسالةً جامعة للعالم بأسره. لأن الفن، في جوهره، ليس رفاهية ولا ترفًا عابرًا، بل مسؤولية أمام التاريخ، ونداء مفتوح بإسم الإنسانية جمعاء.


التعليقات مغلقة.