صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون عام 2018، الكتاب المترجم «كيف غيّر السكر العالم: قصة عن السحر والتوابل والعبودية والحرية والعلم»، من تأليف مارك أرونسون ومارينا بودوس، الذي يقدم رؤية شاملة لتاريخ مادة السكر وكيف تحولت من مجرد مكون حلو إلى قوة محركة للتاريخ البشري.
من أصل بسيط إلى “الذهب الأبيض”
ينطلق الكتاب من أصول زراعة قصب السكر في غينيا الجديدة منذ نحو 10 آلاف عام، مرورا بالهند حيث شهدت تقنيات التكرير الأولى، وصولا إلى العالم الإسلامي ثم أوروبا التي حولت السكر إلى سلعة فاخرة أطلق عليها “الذهب الأبيض”. ويرصد المؤلفان كيف ساهم إنتشار السكر في تعزيز شبكات التجارة العالمية بين الشرق والغرب، مما جعله مادة ذات أهمية اقتصادية وسياسية كبرى.
السكر والعبودية: ثمن مظلم للحلاوة
يركز الكتاب على العلاقة الوثيقة بين الطلب الأوروبي المتزايد على السكر وازدهار تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، مسلطًا الضوء على الظروف القاسية التي عاشها ملايين الأفارقة المستعبدين في مزارع الكاريبي والأمريكتين. هذه المزرعة لم تكن فقط حقلاً لإنتاج السكر، بل كانت مسرحًا لاستغلال بشع وعبودية ممتدة.
دور السكر في الثورة الصناعية والسياسة العالمية
يبرز العمل كيف لعب السكر دورًا غير مباشر في الثورة الصناعية، من خلال زيادة الحاجة إلى وسائل نقل متطورة وآلات أكثر كفاءة، خاصة تطوير المحركات البخارية التي ساعدت في تحسين عمليات طحن وتكرير القصب. كما يكشف عن دور تجارة السكر في إشعال صراعات سياسية هامة، مثل تمويل حركات الاستقلال في أمريكا الشمالية، وتأجيج ثورة العبيد في هايتي التي قلبت موازين القوى الاستعمارية.
تطورات علمية واجتماعية مرتبطة بالسكر
بالإضافة إلى ذلك، يستعرض الكتاب التطورات العلمية التي رافقت الطلب على السكر، من تحسين أساليب الزراعة إلى اختراع تقنيات تكرير جديدة، مثل إنتاج السكر من البنجر أثناء الحصار النابليوني. كما لا يغفل الأثمان الإنسانية والإجتماعية، من إستغلال العمال إلى الأضرار الصحية الناتجة عن الإفراط في استهلاك السكر، مؤكدا كيف كانت حملات مقاطعة السكر المستورد من مزارع العبودية من أهم أدوات النضال السياسي والأخلاقي.
إستمرار تأثير السكر في العصر الحديث
لا يكتفي الكتاب بتأريخ الماضي، بل يتناول أيضا تأثير السكر في القرن الواحد والعشرين، حيث لا يزال عنصرا إستراتيجيا في صناعة الأغذية، وأساليب التسويق، وقضايا الصحة العامة مثل السمنة وأمراض القلب، مما يجعل السكر سلعة محورية في السياسات الزراعية والتجارية للدول.
مغزى فكري وسياسي عميق
يطرح الكتاب تساؤلات جوهرية حول قدرة مادة واحدة على إعادة تشكيل التاريخ البشري إقتصاديا، علميا، وثقافيا، ويذكر بأن التقدم غالباً ما يأتي مصحوباً بإستغلال وظلم. كما يبرز التناقض في دور السكر كأداة للقمع وتمويل الإستعمار، وفي الوقت نفسه كرافد مادي أساسي لحركات تحررية مثل ثورة هايتي.
إستحسان نقدي وأثر تعليمي
حظي الكتاب بإشادة واسعة لطريقة السرد الجذابة التي تجمع بين الدقة التاريخية والوضوح، مما يجعله مناسبا للقراء من مختلف الأعمار، وأستخدم في العديد من المناهج التعليمية كنقطة انطلاق للنقاش حول الإستهلاك، الأخلاق، والعدالة الإجتماعية. ومن جهة أخرى، إنتقده بعض النقاد لتركزه أحيانا على الجانب الدرامي على حساب التعمق في الجوانب الاقتصادية أو العلمية المتخصصة.
نبذة عن المؤلفين
مارك أرونسون، كاتب أمريكي معروف بتبسيط التاريخ للشباب، ومارينا بودوس، مؤرخة تركز على تاريخ العلوم والثقافة، جمعا بين خبراتهما لإنتاج عمل متكامل يروي قصة معقدة ببساطة وجاذبية.


التعليقات مغلقة.