Ultimate magazine theme for WordPress.

العيون : رئيس “مؤسسة روح الصحراء ” يتفاعل مع الجيل الجديد للتنمية المندمجة …

بسم الله الرحمن الرحيم:

بداية، إذا كانت هذه اللقاءات التشاورية تهدف بلورة تصور تشاركي يستند على تشخيص دقيق وملموس للحاجيات المحلية، بغية وضع برنامج تنموي مندمج يستجيب لتطلعات ساكنة الإقليم ويواكب الرؤية الملكية لتنمية الأقاليم الجنوبية، فإنه يصبح من الضروري ان تترجم مخرجات هذه اللقاءات الى توصيات عملية وقرارات قابلة للتنفيذ وخصوصا الورشة الموضوعاتية حول التشغيل. حيث يمثل قطاع التشغيل بهذه الربوع رافعة أساسية لإنجاح النموذج التنموي الجديد. كما يمثل ألآلام وآمال العديد من الشباب والأسر.

  1. مقدمة تحليلية

تمثل الأقاليم الجنوبية نموذجًا اقتصاديًا خاصًا داخل المغرب، حيث يجتمع فيها عاملان متناقضان:

  • حجم استثمار عمومي ضخم يفوق المعدل الوطني.
  • استمرار اختلالات عميقة في سوق الشغل ترتبط ببنية الاقتصاد المحلي، والتموقع الجغرافي، وطبيعة الفاعلين الاقتصاديين.

هذا التناقض يستدعي قراءة تحليلية تتجاوز الوصف التقليدي إلى تفكيك البنيات المنتجة للبطالة والهشاشة المهنية، وفهم دينامية العلاقة بين الدولة والسوق والمجتمع المحلي.

  1. تحليل بنيوي لواقع التشغيل
    • اقتصاد قائم على الريع لا على الإنتاج

تتميز الأقاليم الجنوبية بوجود قطاعات قوية من حيث رقم المعاملات (الصيد البحري، الفوسفاط، اللوجستيك)، لكنها ليست بالضرورة مولّدة لفرص شغل واسعة.

السبب:

هي قطاعات رأسمالية كثيفة المعدات وليست كثيفة اليد العاملة.

تعتمد على شركات كبرى، ما يجعل الأثر الاجتماعي ضعيفًا مقارنة بقيمة الاستثمارات.

إذن، هناك فجوة بين قيمة الاقتصاد وعدد من يستفيد منه.

  • محدودية التصنيع وغياب سلاسل القيمة

رغم توفر المواد الأولية (الثروة البحرية، الفوسفاط، الطاقات المتجددة)، لا تزال الصناعات التحويلية ضعيفة.

هذا الضعف يخلق ما يلي:

  • تصدير المواد الأولية دون خلق قيمة محلية.
  • الاعتماد على أنشطة موسمية أو خدماتية ضعيفة القدرة على خلق وظائف مستقرة.
  • ضياع فرص تشغيل كان يمكن أن توفرها الصناعات المرتبطة بالبحر، الطاقات، الفلاحة الواحاتية، التحويل الغذائي…

بعبارة أوضح: غياب التصنيع يعيق تشغيل الشباب.

2.3 إشكالية التركيبة الديمغرافية والاجتماعية

الأقاليم الجنوبية تعرف:

  • نسبة عالية من الشباب.
  • ارتفاعًا في عدد حاملي الشهادات المعطلين منهم من تجاوز سن 55.
  • تغيرًا في البنية الاجتماعية أدى إلى ارتفاع سقف انتظارات الشباب، خاصة في ظل الوعود التنموية المتكررة.

لكن في المقابل:

  • سوق الشغل محدود.
  • أغلب الطلبات تتجه نحو الوظيفة العمومية،

هذا يخلق هوّة بين سقف التوقعات والقدرة الاستيعابية للسوق.

 

 

2.4 ضعف الاستثمار الخاص: تحليل الأسباب العميقة

لا يزال الاستثمار الخاص محدودًا. ذلك يعود إلى عوامل مركبة:

  1. ارتباطه الكبير بالصفقات العمومية.
  2. مخاطر جغرافية واقتصادية تتعلق بالبعد عن مراكز الإنتاج الوطنية وبالتالي ارتفاع كلفة اللوجستيك.
  3. محدودية اليد العاملة المؤهلة في مجالات تقنية وصناعية دقيقة.
  4. نقص منظومات البحث والابتكار ما يجعل الاستثمار في قطاعات جديدة غير مضمون النتائج.
  5. الاعفاء الضريبي بالأقاليم الجنوبية مضلل مما يخلق توقعات غير واقعية للمستثمرين.

إذن، المشكل في غياب منظومة اقتصادية متكاملة لاستقبال استثمارات نوعية.

  1. قراءة نقدية للبرامج والسياسات

3.1 المقاربة الحالية: قطاعية أكثر من كونها ترابية

البرامج الوطنية للتشغيل تُطبق محليًا، لكنها:

  • لا تأخذ خصوصيات الجهة بعين الاعتبار. بحيث صممت على مستوى مركزي ثم نقلت الى الأقاليم الجنوبية دون تكييف حقيقي.
  • لا تعتمد بيانات سوق الشغل الجهوي بشكل دقيق.
  • تخضع لتعدد المتدخلين دون تنسيق فعال.

هذا يجعل السياسات والبرامج مجزأة وغير منسجمة.

 

 

3.2 البرامج الموجهة للشباب: أثر قصير المدى

برامج الإدماج (مثل العقود، التكوينات، دعم المقاولة الذاتية) تتميز بـ:

  • نتائج سريعة لكنها غير مستدامة.
  • عدم توفير حماية اجتماعية كافية.
  • ضعف متابعة المشاريع بعد إطلاقها.

بالتالي، تظل هذه البرامج حلولًا ظرفية لا بنيوية.

3.3 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: تحليل القيمة المضافة

رغم دورها الاجتماعي القوي، فإن أثرها الاقتصادي محدود لأنها:

  • تركز على مشاريع صغيرة منخفضة الإنتاجية.
  • لا تخلق سلاسل قيمة حقيقية.
  • تنتظر في الغالب مبادرات محلية بدل أن توجهها.
  • الاستفادة غير المستحقة للبعض واقصاء ممنهج لذوي الكفاءات.

لكنها تبقى رافعة مهمة إذا تم ربطها بقطاعات استراتيجية وبمبادئ الحكامة الجيدة.

  1. تحولات اقتصادية واعدة… لكنها لم تؤثر بعد

الأقاليم الجنوبية تدخل اليوم مسارًا جديدًا من خلال مشاريع:

  • الطاقات المتجددة (الرياح – الشمس).
  • الميناء الأطلسي بالداخلة.
  • الطرق السريعة.
  • تنويع قطاع الصيد.

لكن هذا التحول لم يُترجم إلى فرص شغل كبيرة لأن:

  • المشاريع لا تزال في طور الإنجاز.
  • استراتيجية التشغيل المواكِبة لم تتبلور بعد.
  • التكوين المهني لم يُعَد هيكلته لينسجم مع هذه التحولات.

هذا يعني أن التحول الاقتصادي سابق لظهور التحول في سوق الشغل.

  1. تصور تشاركي جديد لسوق الشغل: نحو مقاربة مختلفة

5.1 الانتقال من “مقاربة الدعم” إلى “مقاربة الاستدامة

أي:

  • دعم مشاريع ذات أثر اقتصادي حقيقي.
  • تمويل المقاولات المرتبطة بسلاسل القيمة وليس مشاريع فردية معزولة.
  • ربط الدعم المالي بالحكامة والتقييم.

5.2 بناء منظومة تشغيل جهوية

تتضمن:

  • مرصد جهوي للمهارات.
  • قاعدة بيانات لسوق الشغل.
  • إشراك فعال للمجالس المنتخبة والجامعات والقطاع الخاص.
  • رؤية مشتركة بين القطاعات.

5.3 إعادة هيكلة التكوين المهني

وفق حاجيات الاقتصاد الجديد:

  • تقنيات الطاقة المتجددة.
  • الصناعات البحرية.
  • اللوجستيك والتوزيع.
  • الصناعات الغذائية.
  • الصيانة الصناعية.
  1. توصيات استراتيجية عميقة

6.1 على المدى القريب

  • إنشاء منصة جهوية موحدة لتنسيق برامج التشغيل.
  • إطلاق تكوينات قصيرة مكثفة في المهن المطلوبة فورًا.
  • معالجة البطالة لدى حاملي الشهادات الذين تجاوزوا السن القانوني للتوظيف عبر مسارات مهنية بديلة.

6.2 على المدى المتوسط

  • تطوير مدن صناعية متخصصة في الصيد، اللوجستيك، الطاقات.
  • جذب استثمارات عبر شراكات دولية في الأقاليم الجنوبية.
  • دعم المقاولات الناشئة المرتبطة بالاقتصاد الأزرق.

6.3 على المدى البعيد

  • بناء اقتصاد إنتاجي مستقل تدريجيًا عن الريع.
  • تعزيز البحث العلمي بالجامعات المحلية لخلق حلول تشغيلية مبتكرة.
  • إدماج الأقاليم الجنوبية في سلاسل القيمة الوطنية والإفريقية.
  1. خاتمة تحليلية

التشغيل بالأقاليم الجنوبية ليس مجرد مشكل فرص عمل…بل هو قضية بنيوية ترتبط بطبيعة الاقتصاد المحلي، وتركيبة المجتمع، ونمط توزيع الاستثمارات، وغياب رؤية ترابية موحدة.

ورغم أن الجهة تتوفر على إمكانات هائلة، إلا أن استثمارها يتطلب:

  • حكامة قوية.
  • تنسيقًا مؤسساتيًا.
  • تحويلًا حقيقيًا لبنية الاقتصاد.
  • ربطًا عضويًا بين التكوين والطلب الاقتصادي.

عندها فقط يمكن أن يتحول الاستثمار العمومي الكبير إلى تنمية بشرية حقيقية تُخرج الشباب من دائرة الانتظار إلى دائرة الإنتاج.

شكرا لكم على سعة صدركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.