تشهد ألمانيا تحولا إستراتيجيا كبيرا في قطاعها الدفاعي، حيث تسعى إلى تبني تكنولوجيا متطورة وغير تقليدية لإعادة صياغة مستقبل الحروب. هذا التحول يشمل تطوير “صراصير تجسس” آلية، بالإضافة إلى روبوتات قتالية مدعمة بالذكاء الإصطناعي، وذلك عبر دعم كبير تقدمه الحكومة للشركات الناشئة المحلية التي باتت تحظى بإهتمام متزايد.

من أبرز هذه الشركات، “هيلسينغ” (Helsing)، التي أسسها غوندبيرت شيرف، وأصبحت اليوم من الشركات الرائدة في مجال الدفاع الأوروبي، حيث تضاعفت قيمتها لتصل إلى نحو 12 مليار دولار أمريكي. إضافة إليها، تعمل شركة ناشئة أخرى على تطوير “صراصير إلكترونية هجينة”، تعرف باسم “السايبورغ”، التي يمكنها التسلل إلى مناطق النزاع لجمع معلومات حساسة.
هذا التحول في السياسة الدفاعية الألمانية جاء بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي شكل نقطة فارقة دفعت برلين إلى إعادة تقييم أولوياتها الدفاعية. كانت ألمانيا قد إتخذت موقفا حذرا تجاه الصناعات العسكرية على مدار عقود بسبب تاريخها في الحربين العالميتين، ولكن التحديات الأمنية الحديثة فرضت واقعا جديدا دفع الحكومة، بقيادة المستشار فريدريش ميرتس، إلى إتخاذ نهج أكثر إنفتاحا.
وفي هذا السياق، أكد وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، أن “التمويل لم يعد يشكل عائقًا”، مشيرًا إلى أن ألمانيا تمتلك الآن الموارد اللازمة لتعزيز الابتكار في القطاع الدفاعي. كما أضاف شيرف أن “أوروبا بحاجة إلى استعادة قوتها الدفاعية، وألمانيا مستعدة لتولي زمام القيادة في هذا المجال”.
إلى جانب الشركات الكبرى مثل “راينميتال”، أتاحت الحكومة الألمانية الفرصة أمام شركات صغيرة ومبشرة مثل “آركس للأنظمة الروبوتية”، التي تطور مركبات قتالية آلية وتقدم إستشارات مباشرة لوزارة الدفاع. بهذه الطريقة، يتم بناء منظومة مبتكرة وشاملة من الشركات الناشئة والمؤسسات الحكومية.
مع زيادة ميزانية الدفاع الألمانية إلى نحو 175 مليار دولار سنويا بحلول عام 2029، يتوقع أن يشهد القطاع طفرة استثمارية ملحوظة. في عام 2024، بلغت قيمة الإستثمارات في الشركات الناشئة نحو مليار دولار، مع توقعات بأن يتضاعف هذا الرقم في العام الحالي.
التحول الدفاعي الألماني لا يقتصر على التكنولوجيا فحسب، بل يشمل أيضا تغييرا ثقافيا في نظرة المجتمع إلى قطاع الدفاع، حيث ينظر إليه الآن كمجال للنمو العلمي والإقتصادي، وليس مجرد صناعة عسكرية.
تتضمن خطط تحديث الجيش الألماني تقنيات متقدمة مثل الطائرات من دون طيار، أنظمة القيادة الذكية، والأسلحة الدقيقة، مما يضع ألمانيا في مقدمة الدول الساعية لتطوير أدوات الحروب المستقبلية. هذه الموجة من الإبتكار قد توفر لألمانيا ليس فقط قوة ردع حديثة، بل أيضًا فرصة اقتصادية لتكون مركزًا أوروبيًا للإبتكار الدفاعي في عالم يتسارع فيه التغيير.
في ضوء هذه التطورات، يرى المحللون أن ألمانيا قد تكون في طريقها لتصبح مركزا محوريا في الإبتكار الدفاعي العالمي، في ظل التحديات الأمنية المتزايدة والسباق المحموم نحو تطوير تقنيات الحروب المستقبلية.


التعليقات مغلقة.